

حتى اللحظة التي اتصل بي فيها الأستاذ عصام مصطفى رئيس مجلس إدارة جريدة بيت العرب الدولية أين طلب مني وحثني على تركيز جل مهامي الصحفية إن لم اقل كلها بالقطر الجزائري على الجانب الأدبي لأبناء الشعب الجزائري ، وخاصة من الجيل الجديد المثقف الناشئ وذلك بإجراء الحوارات والتحقيقات حول أوضاعهم وتطلعاتهم المستقبلية وإبداعاتهم الأدبية ، وزاد وعزز مبادرته الطيبة والتفاتته الصائبة حين كشف بأن جريدة بيت العرب الدولية لا تمانع في نشر أعمالهم وإبداعاتهم الأدبية وهو ما يسجله له التاريخ حتما وسيذكره يوما ، فالخبر أسعدني واستحسنت الفكرة بل الهبة الإعلامية التي ظفر بها أبناء الجزائر والعرب من طنجة إلى رأس الخيمة بميلاد هذه الصحيفة التي أبت إلا أن تفتح قلبها و صفحاتها لهم ، فحتى ذلك الحين كان يخيل لي وبحكم الإقصاء العلني المعلن الشامل في حق هذه الفئة أن هذا الوطن العربي الشاسع ومنه القطر الجزائري بتعداد سكاني يضاهي 35 مليون نسمة ما هي إلا مخلوقات بشرية قد لا تكون في الواقع وليس الحقيقة سوى كتل لحمية متحركة تعلوها جماجم فارغة لا تتوفر على ما نأمل أن يكون به رحيق يعطينا عسل ، وحتى لا أضفي الغرابة والعجب وربما النقد اللاذع لسوء فهم هذا القول الصادر منا و هو حقيقة الواقع المفروض المرفوض وببالغ الأسف فلا إعلامنا كان كريما مضيافا والتفت وبحث عن ما تنام عيه الجزائر من ثروة أدبية وفكرية ليكشف عنها ويمحي لي ولغيري ذلك الخيال ، ولا أنا كنت فضوليا مهتما وتساءلت عن سبب شحها ، و لا الجهات الوصية التي تتحمل كل المسؤوليات كانت راعيا أمينا على هذه الثروة الأدبية المتوفرة التي وجدناها دفينة متحللة على ارض الجزائر حالها حال الثروة الفكرية والعلمية التي سنتطرق إليها ونكشف عن همومها وكيف تم إهمالها أو دفنها وذلك في القريب العاجل ، ولذلك وبقدر ما كنت سعيدا بهذه المهام الصحفية في هذا الشأن أو الاختصاص إلا أني كنت متشائما يائسا وخجولا فقد انتابني التشاؤم لأني كنت وكان يخيل لي بأني قد لا اهتدي إلى من هم في المستوى المطلوب ويائسا من عدم وجود دليل يدلني عليهم لأن لا عنوان لهم وجهل المجتمع الجزائري لهم والذنب ليس ذنبهم ، وكنت خجولا من أن ألقاهم في أسوء أحوالهم وكيف أقدم لهم نفسي وماذا أقول لهم خاصة إذا ما علموا أني إعلامي سأكون محل نقد وعتاب غير مباشر وان كان ذلك موجها إلى هذه الوسيلة التي أطلقوا عليها اسم (وسائل الإعدام وليس الإعلام) الشاهد الوحيد كيف تم دفنهم ومن حفر قبرهم وأنا اليوم انتسب إلى هذه الوسيلة وبالتالي لست بمنئي عن ريح الغضب وهذا ما فكرت فيه قبل الخوض في المغامرة بل قل عنها المقامرة لأن الحال أشبه بمن يبحث في وسط مقابر مجهولة بدون شواهد في الظلام الحالك وهي فعلا كذلك كما وجدنا حال وواقع الأدباء الشباب بالجزائر وكانت البداية مع احدهم الذي عثرن عليه يئن بعد رحلة بحث كانت شبيهة برحلة البحث عن الزئبق الأحمر الممنوع فأثمر جهدنا وتوفر زادنا ونزلنا ضيوفا عند القاص والفنان محمد أربوز الذي سيعزز قولنا ويقف شاهدا حسب ما يمليه عليه ضميره ولمن لا يعرفه وهو أمر أكيد لأنه من المقصيين رغم ثرائه الأدبي فهو الذي وبعد أن ذاقت به السبل وكحل نسبي فتح لنفسه مدونة الكترونية كأضعف الإيمان وأعلى قمة إعلامية يكون قد وصل إليها والتنفس منها من تحت أطنان من تربة الإقصاء التي إن لم تتوفر الإرادة الحرة قد تحبط إبداعه وتجعله خاملا في بيات مثل بيات السلحفاة الشتوي لكن الربيع المزدهر لحكمة الله حتما سيكون .
لا نريد أن نتطرق في حديثنا هذا إلى أعمالك ومواهبك لأننا نؤجل ذلك إلى أوقات لاحقة لنعود لها "فجريدة بيت العرب الدولية " ستضل قريبة منك ومن جميع الأدباء الشباب في الجزائر وكل الوطن العربي لذلك وبداية نود أن ننقل للقارئ العربي هموم ومشاكل هذه الفئة وأسباب غيابها وخمولها مما صور للسواد الأعظم أن الأمة العربية أصيبت بعقم أدبي وفكري بعد أن كانت حاضنة ومهدا لشتى العقول التي صنعت مجدا وثراء تدفق على الأمم الأخرى استفادت منه بعد أن أحسنت رعايتها وحتى لا نطيل عليك وعلى القارئ الكريم فهل لنا ببعض الأجوبة على هذه الأسئلة ؟
س: هل ممكن أن تعرفنا عن الأديب محمد أربوز ؟
ج:فنان و أديب يحاول أن يترك أثرا و لو بسيطا لعبوره في هذا الوجود بما حباه الله من موهبة جالت به حتى كاد أن يتوه في محيط جنتها الفاتنة .
س: كيف تصف واقعك وواقع الأديب الجزائري واقصد الشباب منهم ؟
ج: الأديب الجزائري الشاب شأنه شأن أغلب المبدعين العرب محاصر بكل الأزمات العاصفة بأمتنا و لعل أخطرها أزمة المقروئية و النشر و ثقافة المناسبات و هز الأرداف. فدور النشر أو بالأحرى المطابع لا تطبع إلا للميسورين أو من نالوا حظ الدعم من وزارة الثقافة في إطار مشروع كتاب 2007. كما أن قلة المثقفين و لا أقول المتعلمين جعلت الكتاب سلعة غير رائجة و تجارته كاسدة ،و خير دليل على ذلك تحول أغلب المكتبات الخاصة دكاكين للمواد الغذائية بالإضافة إلى اختفاء المجلات المتخصصة و تغيير الملاحق الأدبية في الجرائد اليومية إلى صفحات إشهار أو لأغراض أخرى.
س: هل يوجد بمدينكم "مغنية" المعروفة جمعيات ثقافية تهتم بكم وهل تستطيع أن تعدد لنا أدباء المدينة ؟
ج: مدينة مغنية التابعة إداريا لولاية تلمسان أنجبت الكثير من الفنانين و الأدباء البارزين وطنيا و دوليا أمثال عمار بلحسن ، محمد مرتاض، عبد المالك مرتاض، واسيني لعرج و غيرهم لكن رغم ذلك فالجمعيات الثقافية النشطة قليلة نظرا لقلة الدعم المعنوي و المادي. و على الرغم من ذلك أسست رفقة بعض الأصحاب سنة 1991 جمعية لؤلؤة الفن السابع الثقافية السينمائية أنجزنا في إطارها عدة أفلام قصيرة و فيلم البخيل الذي تم عرضه بالقناة التلفزيونية الوطنية بالتعاون مع جمعية ابن الشعب المسرحية. أما حاليا فالمشهد الثقافي يكاد يختفي بسبب الانعدام الكلي للدعم المادي و دور الثقافة مما دفع الجمعويين إلى الانغماس في كسب لقمة العيش خاصة و آن أغلبهم بطالون.
س: هل هناك أي تواصل بينكم وبين الجهات الوصية العليا؟
ج: للأسف الشديد لا وجود لأي تواصل . فالثقافة آخر ما يهتم به.
س: على من يقع اللوم تحديدا في تراجع عطائكم الإبداعي ؟
ج: اولا بسبب ترسخ فكرة لا جدوى الكتابة في مجتمع لا يقرأ و ثانيا في استحالة النشر مع ضعف الدخل المادي، و ثالثا لكوني أمر بمرحلة كمون فيما يخص الكتابة الأدبية و التفاتي للإبداع السينمائي الهاوي، فقد كتبت عدة سيناريوهات لأفلام قصيرة و قمت بتركيب فيديو عن المأساة العراقية نشرتها بموقع اليوتوب و مدونتي.
س: هل تهميشكم وعدم الالتفات لكم يؤثر عليكم سلبا وهل فكرتم بالهجرة قصد إنقاذ أبدعاتكم ؟
ج: أبدا و لكنه يجعل صرير أقلامنا غير مسموع وهذا ما دفعنا و لا يزال في التفكير بالهجرة إلا أن تخصصنا و عدم امتهاننا لحرف مطلوبة في الخارج جعلنا نتراجع ولو مؤقتا . ومهما يكن فالوطن غالي لم تتزحزح معزته في أعماق أعماق قلبنا النابض بالحب لكل شبر فيه،و الأمل باق حتى نقبر.
س: في رأيك لماذا الجهات الوصية تبقى وصية فقط على من بقوا سوى عظام نخرة ولم تلتفت إلى الجيل الجديد ؟
ج: قد تكون نظرية صراع الأجيال مفسرا لهذا التجاهل، وقد يكون لأسباب أخرى يعلوها الأنانية و الحب المفرط للمصلحة الذاتية على المصلحة الوطنية و الإيمان المطلق بمقولة أنا وبعدي الطوفان.
س: كيف يتعامل الإعلام معكم أو الإعدام كما يطلق عليه وما هي رسالتك إليه ؟
ج: الإعلام الجزائري المكتوب في نظري يبقى المصباح الأوحد المنير بالإبداع في الساحة و الوحيد الذي استطاع أن يحقق للطبقة المثقفة الانعتاق و اتفق معك في كونه إعدام للصمت القاتل و كاشف ما ينخر مجتمعنا من فساد .و شخصيا لا أجد أي صعوبة في نشر كتاباتي في الصفحات الأدبية القليلة المتبقية و على رأسها ملحق الأثر في جريدة الجزائر النيوز أو بعض الرسومات الكاريكاتورية المنشورة في الوطن أو الجهورية الأسبوعية المعدمة.
س: من وسائل الإعلام جريدة الجزائر النيوز الناطقة باللغة العربية الوحيدة من بين عشرات الجرائد الورقية تهتم بالجانب الأدبي فهل يقتصر ذلك فقط على فئة معينة من الكتاب أم هي مضيافة للجميع ؟
ج: الجزائر نيوز جريدة رائدة و لها مستقبل زاهر بفعل جدية طاقمها و إبداعية و رؤية مديرها السيد احميدة عياشي
الثاقبة ذات البعد الشمولي و التطوري و يكفي دليلا على ذلك أن الجريدة خصصت ملحقا من 12 صفحة للإبداع الأدبي و صفحة للطفل و أخرى للتحليل السياسي. و في نظري هي مضيافة و أبوابها مفتوحة لكل إبداع جاد.
س: المعروف عن جريدة الجزائر النيوز أن مديرها الروائي عياشي وهو من رعيلكم لما لا ينذر الجريدة لكم ؟
ج: ما نراه و نلمسه أن أغلب محرري الجزائر النيوز من الشباب المبدع و نحن نتوقع الكثير من المفاجآت السارة.
س : كيف يستطيع الأديب أن يخرج من منفاه القصري إلى الجماهير الظمآنة ؟
ج: عبر ثقافة القراءة و التشجيع عليها و إعادة الدعم للكتاب، و أن تتحول عقلية المطبعة إلى فكر دار نشر بمعنى أن نأسس لجان قراءة حقيقية همها اكتشاف المواهب الخلاقة و الأخذ بيدها. أن نقتنع بضرورة الترويج للكتاب مثلما نروج لسلعة أخرى عبر الإشهار المرئي و المكتوب.أن نهتم بالكاتب و الفنان أضعاف ما نهتم بالسياسي و مرتجفي الأرداف.
س: لماذا استطاعت ثلة من الشباب أن تفلت من الإقصاء هل ذلك صدفة أم لميزة إبداعها أم لنفوذ هويتها ؟
ج: هناك من استحق فعلا ما وصل إليه من مكانة وهم قليل و الباقي اجتمعت فيه ميزة النفوذ و البراعة في انتحال الصفات لكنها كالزبد لن تدوم.
س : هل إقصائكم أو عدم الاهتمام بكم يتم على الهوية ؟
ج: لا أعتقد ذلك.
س: ما هي الرسالة التي تبعث بها من على صفحات " جريدة بيت العرب الدولية " إلى كل الأدباء الشباب خاصة ممن يعانون الإقصاء في الوطن العربي ؟
ج: الأمل موجود فينا ومهما فعلنا لنخنق صوت الكتابة و الإبداع بدواخلنا فلن نستطيع و من المستحيلات لأنه قدرنا و أجمل ما امتلكنا. وسيأتي اليوم الذي نقرأ و نوضع في مرتبتنا الحقة. و يكفينا فخرا أن نوت وقد تكرنا بصمتنا على جبين تاريخ هذه البشرية.
ما من شك أن الهدف الأساسي الذي من أجله تم إنشاء مؤسسة الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة كان الدفاع عن حقوق المبدعين المالية و الحفاظ على ملكيتهم المعنوية لما يبدعونه من السرقات الفكرية و الأدبي. غير أن ما لوحظ في الآونة الأخيرة من تصرفات بيروقراطية للمشرفين على هذا الصرح العظيم أفقده كل قيمة و جعل الثقة ترتج ارتجاجا في صلاحيته. و لعل هذا سبب من الأسباب التي دفع بالأكثرية الكتاب إيداع إبداعاتهم لذا مؤسسات أجنبية تنشط في نفس الميدان و بضمان أفضل.
في البدء ، و لكوني من المنخرطين القدامى في ديوان استغربت هذا الهروب ، حتى صدمت مؤخرا و أنا أضع بين يدي مسؤول محلي مجموعتي القصصية الثالثة للإيداع بقرار جديد غريب يرغمني على ملأ استمارة مخصصة للأعمال المنشورة ، رغم أن مجموعتي لم تحظ بعد بنعمة النشر إلا مجزأة في الجرائد الورقية و الالكترونية. فصارحت المسؤول أن كتابي لم تنشر بعد بل لا تزال مخطوطا و الاحتمال الأكبر أنه لن يرى وجهه المطبوع في القريب الآجل. فهز رأسه و أعلمني أنه إجراء إجباري مفروض لقبول الإيداع. و ما العمل إذن سألته محتارا؟ فجاء جوابه إكراما لكوني من المنخرطين القدامى و النشطين إيداعا أن أرفق مصنفي بنسخة من صفحة مستخرجة من جريدة نشرت لي قصة من المجموعة. فعدت إدراجي و طبعت نسخة من صفحة مجلة الكترونية و قدمتها له.
غير أنه و بعد شهر هاتفني المسؤول المحترم و المشكور على حسن معاملاته و أخبرني بخبر رفض الإيداع من السلطة العليا في العاصمة.
لقد تغيرت إذن مهمة الديوان من حماية الغير منشور إلى المنشور و الذي يعتبر نشره طابعا مشمعا يعلن حمايته و نسبه .
و أنكر أني منذ البدء استغربت بعض التصرفات المنافية للأعراف الدولية الخاصة بدواوين حقوق المؤلف كإيداع المصنفات في أظرف مغلقة و مختومة لا يكشف محتواها إلا بطلب من القضاء لضرورة الشاهد في حالة نزاع عن حق الملكية. أما عندنا فالعكس هو الصحيح أنت مجبر لكشف إبداعك شكلا و مضمونا . ولا داعي لأن أطيل في سرد المشاكل الأخرى و أكتفي بذكر ما تعرض له الصديق محمد قناد كاتب فيلم البخيل من حرمانه من حقوقه المالية الناتجة عن البث الأرضي و الفضائي للفيلم بجزأيه في التلفزة الوطنية. و قد أكد له المسؤول في اليتيمة أن جميع مستحقاته تدفع مباشرة للديوان. و حتى كتابة هذه الأسطر لا يزال المسكين ينتظر نشر تظلمه في الشروق اليومي لعله و عساه.
إنه جدار آخر يضاف للحشد الهائل من جدران الصد و العرقلة المنبثة في وجه الفنان الجزائري .