RSS

5/17/2006

طلاء تجريدي


أقيم معرض في مدينتي للوحات الزيتية جمع أعمال فنانين محليين. و كعادتي هرولت للتمتع بالخطوط و الألوان و الأحاسيس المتناثرة على جدران الأورقة
و كعادتي كلما مررت بلوحة حاولت استنطاقها بكل الأسئلة المتراسة في خاطري، فلا أبرحها ترتاح حتى تجيب على أكثرها على الرغم من أن بعض اللوحات المعروضة سبق و أن ردت باسراف فيما سبق
وبينما انا في تأملي أبادل الحوار مع لوحة زيتية تجريدية وقف بجانبي كهل يحاول بدوره فك اللغز أمامه ، موزعا ناظريه بين اللوحة وبيني
فالتفتت اليه مستجيبا لنداء الفضول. كان كهلا بسيطا في منظره ببذلة قديمة و نظارة سميكة و ذقن و سجارة منتصفة
:ابتسم في وجهي و سألني مغرزا ناظريه في عمق اللوحة
الألوان جميلة و متناسقة-
:فأشرت موافقا.. فأردف
في رأيك ما ثمن هذه الصورة-
:فقلت
لا أدري، صاحبها هناك و يمكنك مساومته إن أردت شراءها-
:فنظر إليه قائلا
لا أريد شراءها إنما أريد معرفة الثمن فقط-
:فقلت مستفسرا
ولما-
:فقال مبتسما
لأعرف إن كان هذا النوع من الصور يباع بأثمان مرتفعة فأصنع مثلها ما دمت مختصا في اللون وأتجار بها
:حك ذقنه وسحب جرعة دخان ساخن وأردف
أضن أنها لا تستلزم رأس مال كبير-
:فقلت وقد امتزجت في صوتي أجراس الحسرة والسخرية
لا يكفيك شراء قماش أبيض و حقيبة ألوان وفرشات وأن شئت حامل لوحات لتصبح فنانا تباع لوحاتك في المزاد العلني في باريس
:فقال هازا رأسه باندهاش
حقا لم أكن أعلم أن مثل هذا الخلط للألوان يباع في مزاد علني-
:فقلت
وبأثمان لا تعقل و بالدولار يا أخ-
سبحان الله-
جرب إذن وبما أنك طلاء محترف فمثل هذا المزج للألوان أمر سهل بنسبة لك.. جرب وسترى
:فقال وقد انشمرت شفتاه الصغيرتان عن نشوة اعتزاز غريبة
بل قادر على صنع أفضل منها-
وبما ستزوق لوحاتك بالألوان الزيتية أم بطلاء الجدران-
طبعا بألوان الطلاء فأنا لا أحسن استعمال غيره-
:فرتبت على كتفه وقلت مبتسما بحسرة
حضا موفقا ، ولا تنسى عرض لوحاتك حتى نتمتع بألوانها البهية ، و لما لا شراءها
فأومأ موافعا وقد حبست أنفاسه كحة مباغتة
تركته يسترجع أنفاسه وأنا أحاول إيجاد تبريرات لمثل هذا التفكير و مقنعا نفسي بصراحته و ابعاد كل احتمالات إدراج تصريحاته في خانة السخرية

0 commentaires: